الخميس، 16 أبريل 2015

أحمد الزعبي ناقدًا

قراءة في الرؤية والأداة

د. مريم جبر فريحات
عميدة كلية الآداب والعلوم التربوية/ جامعة عجلون الوطنية/ الأردن

د. مريم جبر فريحات

الأستاذ الدكتور أحمد محمد الزعبي، واحد من أهم النقاد والمبدعين الأردنيين، بل هو يشكّل حالة إبداعية ونقدية متميزة، تعززت بدراسته وتتلمذه على علماء اللغة والأدب في مهد علوم العربية وآدابها في مصر، ومن ثَمّ فقد عاين بعضاً مما شهدته الآداب العالمية وما أفرزته الدراسات النقدية الغربية وما تبلور من المناهج الغربية الأوروبية والأمريكية، في مرحلة دراسته لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في جامعة متشجن في أمريكا، تبع ذلك عمله في مختلف الجامعات العربية، في الأردن والإمارات وقطر، ينضاف إلى ذلك ما انماز به من ثقافته شمولية صدرت عن قراءاته الأدبية والنقدية وما نهله من فنون القول الإبداعي والنقدي من مظانه وبلغاته الأصلية، الأمر الذي أسهم في بناء شخصيته الثقافية والإبداعية، وتجلّى في منتجه في الجانبين الإبداعي والنقدي على السواء، فبدا واضحاً في أساليب القص لديه، وبخاصة فيما ظهر في كتاباته من ميل نحو الفانتازيا وتسخير عنصر المفارقة والرسم الكاريكاتوري بالكلمات، وغير ذلك مما لا تعنى هذه المقالة بتفصيله هنا، كما تبدت إفادته مما ذكرت في ما يقف عليه قارئ منجزه النقدي من عمق في نظرية النقد وفي استيعابه وهضمه لمختلف الاتجاهات النقدية المعاصرة، وتوظيفه لها بالقدر الذي يلائم النص العربي الذي يدرسه، فلا يتعسف في تطبيق المنهج، ولا يهمل، في الوقت ذاته، ما يخدم النص ويسعفه في النظر فيه وتحليله وكشف خفاياه وأسرار بنائه، وقد أكّد هو ذاته في حوارات صحفية إفادته من حركة النقد في الغرب وتطورها ومغامراتها وكشوفاتها عند دراسة النص الأدبي العربي، شريطة أن يكون النص باللغة العربية ينسجم مع هذا المنهج النقدي أو ذاك، يقول: "فأنت لا تستطيع أن تدرس رواية (زينب) من منظور (عبثي) ولكن بإمكانك أن تفعل ذلك في (ثرثرة فوق النيل) أو (الغرف الأخرى) مثلاً. فدراسات مثل النص الغائب والتناص والسيمائية ليست مقتصرة على القصيدة الغربية أو الرواية الفرنسية مثلاً، وإنما يمكن دراستها أو تطبيقها على أي نص أدبي شرقاً أو غرباً، إذا توافرت فيه عناصر هذه الدراسة"[1]، ولذا فهو لم يجد حرجاً في الإفادة مما جاد به نقادنا العرب القدماء من نظرات نقدية، قد تلتقي في جوانب منها مع ما توصلت إليه النظرية النقدية الغربية، إذ بدا واضحاً اتكاؤه على الثقافتين اللتين نهل منهما، عربياً وغربياً، لإقامة منهجه الخاص الذي تسعى هذه المقالة للوقوف على ملامحه من خلال كتبه ومقالاته النقدية المنشورة.
حظي أحمد الزعبي مبدعاً وناقداً باهتمام القرّاء والناقد، وقد أسفر ذلك عن عدد كبير من القراءات السريعة والدراسات الجادة التي نظرت في منجزه الإبداعي والنقدي على السواء، ما بين مقالة صحفية أو دراسة علمية جادة أو رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه، غير أن ذلك كله لم يكن يتناسب كميّاً مع حجم هذا المنجز، الذي يمكن أن أوجزه بما يأتي:
أولاً: أعماله الإبداعية:
في القصة القصيرة:
1 ـ عود الكبريت، مكتبة عمان، الأردن (1985).
2-  البطيخة، مكتبة الكتاني، إربد، الأردن (1987).
3-  البحث عن قطعة صابون، مكتبة الكتاني، إربد، الأردن (1988).
4-  خيل الحكومة، مكتبة الكتاني ـ إربد ـ الأردن (1993).
5-  إخوة يوسف (1995).
6-  شيبوب(قيد النشر2002).
في الرواية:
1 ـ مقدمات إلى الحقد (روايتان): لعنات شاكر، نعاس فارس، دار الأمل، الأردن 1987.
2 ـ اختفاء شاعر، صم بكم عمي (روايتان)، مكتبة الكتاني، الأردن 1990.
3 ـ قبل الإعدام، مكتبة الكتاني، الأردن 1990.
4 ـ وجوه قلقة، مكتبة الكتاني، الأردن 1990.
5 ـ العنة، مؤسسة حمادة، الأردن 1993.
6 ـ وراء الضبع، مكتبة الكتاني، الأردن 1993.
7 ـ يحيي العظام وهي رميم، د. ن، الأردن 1995.
8 ـ الأعمال الكاملة (الروايات القصيرة)، وزارة الثقافة، الأردن 2007.
ومن الدراسات النقدية المنشورة عن مؤلفاته الإبداعية:
1- رسالة ماجستير بعنوان(الخطاب الروائي عند أحمد الزعبي)،أحمد المرازيق ،الجامعة اللبنانية، بيروت(م2004).
2- رسالة ماجستير بعنوان(الرواية عند أحمد الزعبي) ، غادة حمدان ،جامعة آل البيت، الأردن(2004م).   
3-القصة القصيرة في الأردن: عبدالرحمن ياغي (فصل من كتاب)بعنوان(..مع أحمد الزعبي(1994).
4- الرواية في الأردن: إبراهيم السعافين(فصل من كتاب) بعنوان(باتجاه رواية العبث)(1995)
5- دراسات في الرواية الأردنية : سليمان الأزرعي (فصل من كتاب) بعنوان : رواية (لعنات شاكر) نموذج للرواية الوجودية في الأردن   (9519).
6- الفضاء الروائي :عبدالرحيم مراشدة (فصل من كتاب)بعنوان (الفضاء الروائي عند أحمد الزعبي)(2003م).
7- نبيل حداد:(الاغتراب في الرواية الأردنية).
بحوث المؤتمرات والملتقيات:
ـ أمين يوسف عودة: القصة القصيرة عند د. أحمد الزعبي بين الرمز والتجريد، ملتقى القصة القصيرة في الأردن، جامعة آل البيت، الأردن 2002.
مقالات صحفية عن أعماله الإبداعية:
1 ـ مريم جبر: "عود الكبريت": حول مجموعة الدكتور أحمد الزعبي، الرأي، الأردن، 18/4/1986.
2 ـ انصاف قلعجي: تأملات في "البطيخة"، الدستور، الأردن، 20/3/1987.
3 ـ نجيمة البنعلي: قصة "بين فكي الأسد" للدكتور أحمد الزعبي، الشرق، قطر، 30/5/1989.
4 ـ عبد الرحيم مراشدة: قراءة في قصة "الشاعر"، الدستور، الأردن، 19/8/1989.
5 ـ عبد الرحمن ياغي: ساعة عميقة ممتعة مع "اختفاء شاعر"، الرأي، الأردن، 9 /11/ 1990.
6 ـ زيد القرالة: الفكاهة الحزينة في رواية "قبل الإعدام" للدكتور أحمد الزعبي، الرأي، الأردن، 30/10/ 1992.
7ـ مأساوية الواقع في رواية "وجوه قلقة"، الرأي، الأردن، 8/1/ 1993.
8ـ "العنة" نص روائي رمزي يعالج ما وراء الواقع، الرأي، الأردن، 29/1/1993.
9ـ اضمحلال المبادئ في رواية "العنة"، الرأي، الأردن، 10/4/1993.
7 ـ مريم جبر: "العنة" أم لوثة الوعي: قراءة في نص روائي لأحمد الزعبي، الرأي، الأردن 2/9/1993.
8 ـ أمين يوسف عودة: "خيل الحكومة" مجموعة قصصية جديدة للدكتور أحمد الزعبي، الرأي، الأردن، 4/2/1994.
9 ـ نبيل حداد: أزمة الشخصية المحورية في رواية "نعاس فارس"، الرأي، الأردن، 16/2/ 1995.
10 ـ خلف التل: القتل الرمزي في قصة "أخوة يوسف"، اللواء، الأردن، 22/2/1995.
11 ـ وائل الصمادي: قراءة نقدية في رواية "العنة" لأحمد الزعبي، طلبة اليرموك، الأردن، 25/12/1995.
12 ـ حسين جمعة: "شيبوب" ينزع جلده: قراءة في قصة قصيرة، الدستور، الأردن، 26/1/1996.
Novels and Novelists from Jordan, Nazih Abu Nidal, Jordan, 2001
Alienation in Jordan Novel, Nedal Mousa, Mu'ta Journal of research, Mu'ta
ثانياً: أعماله النقدية:
البحوث:
1 ـ الإيقاع الروائي في "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، مجلة أبحاث اليرموك، مج. 3، ع1، الأردن 1985.
2 ـ الإيقاع الروائي في "السفينة" لجبرا إبراهيم جبرا، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، مج. 7، ع25، الكويت 1987.
3 ـ سلطة الأسلوب (في الشعر)، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة تشرين، مج. 31، ع1، سورية 1991.
4 ـ الإيقاع الروائي: النظرية والتطبيق، حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية ـ جامعة قطر، ع16، قطر 1992.
5 ـ النص الغائب (في القصة)، مجلة أبحاث اليرموك، مج. 12، ع1، الأردن 1994.
6 ـ سلطة الأسلوب (في الشعر)، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة تشرين، مج. 15، ع4، سورية 1994.
7 ـ دلالات التناص في قصيدة "راية القلب" لإبراهيم نصر الله، مجلة دراسات ـ الجامعة الأردنية، مج. 22، ع4، الأردن 1995.
8 ـ التناص الديني والتاريخي، مجلة أبحاث اليرموك، مج. 13، ع1، الأردن 1995.
9 ـ الإشارة والإحالات في قصيدة محمود درويش "علي حجر كنعاني في البحر الميت"، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة تشرين، سورية 1995.
10 ـ التناص الديني والتاريخي، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ جامعة الإمارات، مج, 12، ع1، الإمارات 1996.
11 ـ التناص الأدبي والأسلوبي، حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية ـ جامعة قطر، ع20، قطر 1997.
12 ـ رواية "نافذة الجنون" لعلي أبو الريش، مجلة شؤون أدبية، ع47، الإمارات، أكتوبر 2004.
المقالات النقدية:
1 ـ ثلاثة وجوه لمصطفى سعيد: دراسة نفسية في رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال"، مجلة إبداع، ع1، القاهرة، يناير 1985.
2 ـ الشاعر ثيودور روثكة: ما بين الفرح الرومانسي والقرف الوجودي، مجلة المهد، ع5، عمان 1985.
3 ـ الإيقاع الروائي في "المستنقعات الضوئية" لإسماعيل فهد إسماعيل، مجلة إبداع، ع6، القاهرة، يونيو 1986.
 4 ـ الإيقاع الروائي في "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، مجلة البيان، ع248، الكويت 1986.
 5 ـ الإيقاع الروائي في "تلك الرائحة" لصنع الله إبراهيم، مجلة إبداع، القاهرة 1986.
 6 ـ الزمن والموت في قصيدة "الأرض الخراب" لـ: ت. س. إليوت، مجلة الآداب الأجنبية، ع53، دمشق 1987.
 7 ـ رواية "الثعلب" لـ: د. هـ. لورنس، مجلة الثقافة الأجنبية، ع4، بغداد 1988.
 8 ـ التراث العربي والإسلامي في رواية "يقظة فنيغان" لـ: جيمس جويس، مجلة فصول، مج. 13، ع3، القاهرة 1994.
 9 ـ الصراع الحضاري في رواية "مقامات المحال"، المجلة الثقافية ـ الجامعة الأردنية، عمان، نيسان 1999.
 10 ـ القصة القصيرة في الإمارات: محمد المر نموذجًا، مجلة شؤون أدبية، ع40، الإمارات 2000.
 11 ـ رواية "حلم كزرقة البحر" لأمنيات سالم، مجلة الرافد، الشارقة، يوليو 2002.
 12 ـ كاريزما النص الأدبي، مجلة ثقافات، ع2، البحرين 2002.
 13 ـ سيمياء العشب في شعر علي جعفر العلاق، مجلة علامات، مج. 12، ع47، السعودية 2003.
 14 ـ قصة "من يخشى النهار" لباسمة يونس، مجلة الرافد، ع70، الشارقة، يونيو 2003.
 15 ـ "انكسار مهرة" لصالحة غابش: صراع الواقع والحلم، مجلة الرافد، ع71، الشارقة، يوليو 2003.
 16 ـ الإيقاع الروائي في رواية "الغريب" لألبير كامي، مجلة علامات، مج. 13، ع49، السعودية، سبتمبر 2003.
 17 ـ المسرح الثوري وأقنعة التراث: مسرحية "القضية" لسلطان القاسمي، مجلة الرافد، ع83، الشارقة 2004.
 18 ـ مسرحية "شهيق الحلم" لهيثم الخواجة: صراع الذات وانشطارها، مجلة كواليس (المسرح)، ه12، الإمارات 2004.
 19 ـ اللغة الشعرية في ديوان هدى الزرعوني "الليل يغني وحيدًا"، مجلة الرافد، ع104، الشارقة 2006.
 20 ـ ثيودور روثكة: ديوانه "الابن الضال" ما بين الفرح الرومانسي والقرف الوجودي، مجلة ثقافات، ع17، البحرين 2006.
الكتب:
1 ـ دراسات نقدية، مكتبة عمات، الأردن 1985.
 2 ـ في الإيقاع الروائي، دار الأمل، ط1، الأردن 1986. ط2، دار المناهل، بيروت 1995.
3 ـ سلطة الأسلوب، دار قدسية،  ط1، الأردن 1992. ط2، مؤسسة عمون، الأردن 2000.
4 ـ مقالات في الأدب والنقد: العربي والغربي، مكتبة الكتاني، الأردن 1993.
 5 ـ التيارات المعاصرة في القصة القصيرة، مكتبة الكتاني، الأردن 1993.
 6 ـ التناص: مقدمة نظرية مع دراسة تطبيقية، مكتبة الكتاني، ط1، الأردن 1993. ط2، مؤسسة عمون، الأردن 2000.
 7 ـ النص الغائب، مكتبة الكتاني، ط1، الأردن 1993. ط2، مؤسسة عمون، الأردن 2000.
 8 ـ إشكالية الموت في الرواية العربية والغربية: دراسات ومقارنات، مكتبة الكتاني، الأردن 1994. ط2، مؤسسة عمون 2000.
 9 ـ الشاعر الغاضب محمود درويش، مؤسسة حمادة، الأردن 1995.
 10 ـ أبعاد الصراع الحضاري في "مقامات المحال"، مؤسسة حمادة، الأردن 1995.
 11 ـ فضاءات النص الإماراتي، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2005.
 12 ـ أسلوبيات القصيدة المعاصرة: الشعر في الأردن وفلسطين (1950 ـ 2000)، دار الشروق، الأردن 2006.
13 ـ مظاهر الحداثة في الأدب الإماراتي، دار العالم العربي، دبي 2011.
بحوث المؤتمرات والندوات:
1 ـ اتجاهات في نقد القصة القصيرة في الأردن، ملتقى عمان الثقافي، الأردن 1994.
 2 ـ صراع البقاء والفناء في رواية "مذكرات ديناصور" لمؤنس الرزاز، ضمن كتاب في تكريم الدكتور ناصر الدين الأسد، بعنوان: قطوف دانية، المؤسسة العربية، بيروت 1997.
 3 ـ صراع المنفي والذاكرة في شعر أحمد عبد المعطي حجازي، ضمن بحوث مهرجان جرش للثقافة والفنون، الأردن 1998.
 4 ـ الرموز والدلالات في شعر محمود درويش، ضمن كتاب في تكريم الدكتور محمود السمرة، الأردن 1998.
 5 ـ صور الغربة في القصة النسائية، ضمن كتاب "خصوصية الإبداع النسوي"، وزارة الثقافة، عمان 2001.
 6 ـ عولمة الأدب العربي الحديث، ضمن كتاب يضم بحوث مؤتمر "تقاليد الثقافة والاختلاف"، مارس 2002.
 7 ـ الأثر النفسي للحكاية الشعبية في القصة الإماراتية، ضمن: كتاب يضم بحوث ندوات "الحكاية الشعبية في الإمارات"، مركز زايد للتراث، العين 2002.
 8 ـ تقنيات السرد في الرواية الإماراتية، ملتقى الرواية الإماراتية، الشارقة، ديسمبر 2002.
أعمال نقدية باللغة الإنجليزية
The question of existence: A comparative study of some Arabic and European novels. A bhath - Al Yarmuk. Vol. 4. No.2, 1986
  Arabic References in J.Joyc's, Finnegan's Wake
دراسات عن أعماله النقدية:
الكتب:
أحمد العرود: مناهج النقد الأدبي في الأردن في النصف الثاني من القرن العشرين (فصل بعنوان: الناقد أحمد الزعبي).
 المؤتمرات والملتقيات:
ـ سليمان الأزرعي: الناقد أحمد الزعبي ومنهجه في الإيقاع الروائي، ملتقى عمان الثقافي الثالث، الأردن 22 ـ 25/8/1994.
مقالات صحفية:
 ـ إبراهيم خليل: إيقاع البنية الروائية وتفكيك الخطاب الشعري في كتابين للدكتور أحمد الزعبي، الرأي، الأردن، 27/11/1998.
ـ عزت عمر: الدكتور أحمد الزعبي في كتابه "التناص نظريًّـا وتطبيقيًّا"، البيان، الإمارات العربية المتحدة، 29/5/2000.
ـ عبد الإله عبد القادر: الدكتور أحمد الزعبي في كتابه "سلطة الأسلوب": دراسة في تشكيل هوية النص، البيان، الإمارات العربية المتحدة، 31/7/2000.

البحث عن الرؤية الغائبة
(1)
يمثل أحمد الزعبي واحداً من النقاد الأكاديميين الذين أمعنوا النظر في النص الأدبي الأردني والعربي، بألوانه المختلفة: الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والشعر، وهو في كل ذلك يلتمس البحث في ما يتضمنه النص من رؤى مختلفة، نفسية واجتماعية وسياسية، متكئاً على اللغة والأسلوب أداة يحاول من خلالها أن يكشف ما خفي من معنى كامن خلف سياقات النصوص المختلفة، كالتناص والسيمياء الشعرية والإيقاع والرمز والزمن والتراث، بحثاً عن النص الغائب خلف سياقات حاضرة في فضاء النص، في الزمن (الحدث)، وفي المكان، كما في الشخصية وما تحمله من أبعاد فكرية أو بيولوجية أو نفسية، ترتدّ في محمولاتها لواقع أسهم في تشكيلها، وهو ما حدا بأحد الدارسين إلى تصنيف جهود الزعبي ضمن منظومة الرؤية الاجتماعية، انطلاقاً من أن تلك الرؤية تمثل روح الواقعية الاشتراكية في مجموعة من طروحاتها التي تتعلّق بالشكل والمضمون ودور الإبداع والمبدع تجاه الواقع أو ما يُسمّى بالالتزام، فيما يصبح دور الناقد البحث عن تلك الثنائية التي تمثل حركة الواقع وبنيته الاجتماعية، ويصبح الإبداع شكلاً من أشكال التعبير عن الظرفية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية[2].
غير أن هذه القراءة في الفكر النقدي لدى أحمد الزعبي لا تريد أن ترتهن لمثل تلك الأحكام التي تدرج الزعبي الناقد في مصاف يبدو لمن عايش تجربته أو واكبها مجافياً للحقيقة بقدر ما، فمما لا شك فيه أنه ألحّ في جل دراساته على العلاقة بين الشكل والمضمون، لكنه في الوقت ذاته لم يبدِ انحيازاً لمضامين الواقع التي تأسس عليها الفكر الماركسي، بقدر ما بدا واضحاً تتبعه للبنات بناء النص الأدبي فنياً، ومحاولاته في التقاط الأدوات والتقنيات التي نهضت بالنص ومنحته سمته الفنية، كالإيقاع والتناص والرموز والدلالات وتقنيات السرد واللغة وسلطة الأسلوب وما إلى ذلك، مما يمكن للدارس أن يقف على مدى عناية الناقد به، سواء كان ذلك في دراساته أو في ما نثره في حواراته المختلفة، من إلحاح على إقامة حالة من التوازن بين ظاهر النص وباطنه، بين داخل المبدع وخارجه، بين الحلم والواقع، من خلال رصد ذلك الإيقاع الذي يحاول أن يتتبعه في الحدث والشخصية والزمان والمكان، وما يتصل بها كالغربة والأثر النفسي والصراع والموت وغير ذلك .
أسس أحمد الزعبي منهجه النقدي على المغايرة، حين انطلق في دراسته النص الأدبي اعتماداً على دراسة الظاهرة في الفن الروائي بما يماثلها في الفنون الأخرى، كالرسم والمسرح والشعر والعمارة، وهو في ذلك يقارب بين الفنون من خلال عنصر مشترك بينها جميعاً، وهو الإيقاع، لكنه في تلك الفنون أظهر منه في الفن الروائي، ولذا فقد كان الزعبي من أوائل الذين سخّروا هذه التقنية (الإيقاع) في الكشف عن أبعاد الرواية وبنيتها الفنية، فقد كانت دراسة "الإيقاع في الرواية العربية إذ ذاك موضوعاً جديداً لم يلتفت إليه الدارسون"، كما أنها كانت قليلة في الأدب الأوروبي أيضاً[3]، ولعله، لذلك، يؤسس لمشروعه التطبيقي بمهاد نظري يحدد زاوية الرؤية التي ينطلق منها، وفي ضوئها يبحث عن رؤية أخرى فيما نثره الروائيون في الروايات موضع الدراسة، حركة الحدث فيها، وحركة المكان والزمان، والخط واللون، تماماً كما يفعل دارسوا الفنون الأخرى، دون أن يفوته عند معالجة هذه الأداة مدى تفاوت الظاهرة بين رواية وأخرى، فنجده يقرر أن "إيقاعاً معيناً – إيقاع الحدث أو المكان أو الجنس أو الموت- يكون بارزاً ويكون مركز الاهتمام عند دراسة هذه المسألة بحسب أهميتها ووضوحها وتعميقها لرؤية الكاتب ولتقنيته الفنية المتبعة في عمله"[4]، ومن ذلك ما نلحظه من تركيزه على الإيقاع النفسي والجسدي الذي ينتظم حركة مصطفى سعيد في "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، ما بين أماكن ثلاث تشكل بدورها شكلاً متوازيا آخر من الإيقاع بين الخرطوم ومصر ولندن، يوازيه إيقاع ثالث يتشكل عبر التنقل بين أزمان ثلاثة: ماضٍ وحاضر ومستقبل، تعبر خلالها الشخصية من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة. ومثل ذلك ما نلحظه من تتبعه لحركة سعيد مهران من الطفولة إلى الشباب من الحرية إلى السجن في رواية "اللص والكلاب لنجيب محفوظ، لافتاً إلى تشابه الإيقاع في العنصر الواحد، كتشابه إيقاع حركة الشخصيات مثلاً، ودون أن تفوته الإشارة إلى أهمية اختيار الأعمال الروائية التي يبدو فيها الإيقاع الروائي ظاهراً، ودقيقا وجزءاً هاماً من البناء الروائي المتكامل.
(2)
وفي إطار بحث الزعبي في ما وراء النص وداخله من دلالات الرموز وإشاراتها، وبحثاً عن الرؤية الغائبة يتوسل الزعبي قراءاته النصية، ليقف على نص مفترض يظل غائباً خلف عناصر النص الروائي المختلفة، الزمان والمكان والشخصية، وحتى المؤلف نفسه، وهي مسألة جوهرية في النقد الأدبي قديمه وحديثه، فثمة دوماً معنى خفيّ خلف المعنى الظاهر، وثمة معنى يجاوز ما ظلّ في (بطن الشاعر) ليكتمل في نفس القارئ وعقله، وهو الموضوع الذي شغل مختلف المناهج النقدية واللسانية، ما يجعل من البحث في مفهوم النص الغائب والتوسع في طرحه في النقد المعاصر، ما يشكل "نقلة كبيرة عما كان عليه في القديم وأوحى بأنه اتجاه أو منهج يكاد يكون جديداً أو اكتشافاً من اكتشافات النقد المعاصر"[5].
فقد أسس الزعبي لبحثه في النص الغائب، بتمهيد رسم من خلاله حدود النص الغائب ومفهومه، ولم يستجب فيه لإغراء منهج محدد، بل تجد في تحليله للنصوص بعضاً من طرائق البنيوية والسيميائية والتشريحية والنصوصية والدراسات اللغوية التحويلية، إلى جانب المناهج التي عنيت بالجانب الموضوعي في النص، في تحليل الشخصية ومحيطها وبيئتها، وغير ذلك مما عنيت به المناهج التي تأثرت بالعلوم الإنسانية المختلفة، كعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والعلوم الطبيعية المختلفة.
ففي دراساته المختلفة يعمد الزعبي إلى استنطاق النص واستحضار الرموز والدلالات والإشارات التي يستنبطها من النص الحاضر "لإعادة بنائه وترتيبه وتركيبه، وبالتالي فهمه على أفضل شكل ممكن"[6]. ففي كتابه "الشاعر الغاضب محمود درويش"، يلجأ إلى التفكيك  وإلى المنظور الدلالي والتأويل السيميولوجي بدرجة أكبر تأثيراً من غيرها في فحوى الخطاب النقدي، كما يبتعد فيه عن التقديم التنظيري الذي ابتدأ به دراساته النقدية في السرد، ولعل ذلك يعود إلى ما أعرب عنه من رغبة في البحث عن الخفي المضمر في النصوص السردية، مما يمكن كشفه وتتبع دورته في المكون السردي من خلال ما ينتظم عناصر ذلك المكوّن من تقنيات التفت إليها النقد الحديث، ويكتفي من جانب آخر بما قدَّمه في كتبه الأولى من مقدمات تنظيرية في بعض المفاهيم كالإيقاع والتناص، مع الحفاظ على تحديد منهجه وبؤرة النص التي ينطلق منها من مثل تحديده لعنوان دراساته الشعرية بـ "الدلالات والرموز".
يرى الزعبي أن "النقد الفاعل المؤثر يتصف بعمق الرؤية والإحاطة بمقومات الإبداع في الأثر الأدبي وكشفها وتحليليها وتوجيهها مع الخروج من دائرة الهوى والكتابة المزاجية التي لا تكون ذات قيمة أو فائدة"[7]، ولذلك ينطلق في دراساته مما تمليه عليه طبيعة النص الأدبي وخطابه الجديد وبنياته وأساليبه الحديثة التي تعتمد الترميز والتكثيف والإيحاء، وتنأى عن المباشرة والخطابية والتقريرية، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الوعي الفني وامتلاك الأدوات المتخصصة التي تعين على سبر غور النص واكتشاف أسراره ورؤاه الكامنة خلف ظاهر اللغة وبنية الأسلوب وشبكة العلاقات، بوصفه منتجاً إنسانياً مشتركاً، ومستعاداً، بمعنى أنه يُنتَجُ مرة بأداة مؤلفه وشروطه وغاياته، لكنه ما يلبث أن يُستعاد مرات بأدوات أخرى تتماثل أو تتغاير لدى قارئ أو قرّاء في أزمنة وأماكن تظل جميعها غائبة، ما لم تحضر بفعل القراءة النقدية الواعية الفاحصة الفاعلة، التي تكون قادرة على مجاراة نص بات يعتمد على الترميز والتكثيف والإيحاء وانفتاح عوالمه، وينأى عن الخطابية والمباشرة.
وبذلك يحاول الزعبي إعادة قراءة النصوص الفنية قراءة جديدة تضيف لما جاد به سابقوه، معتمداً على ما يحتوي النص من إمكانات سحرية في احتواء أجزائه وتوليد ذاته مما لا يقوله النص بصورة صريحة، كما في تحليل ناقدنا لقصة "تحت المظلة" لنجيب محفوظ.
(3)
يوظف أحمد الزعبي في دراساته كثيراً من المفاهيم والمصطلحات التي أفرزتها نظريات النقد الحديث ومناهجه، مثل مصطلح التناص، محاولاً في الوقت نفسه التأكيد على أن مثل هذا المصطلح لم يكن جديداً، وأنه لا يجد ضيراً في استخدام مرادفاته في النقد العربي قديمه وحديثه، من مثل الاقتباس والتضمين والاستشهاد والقرينة والتشبيه والمجاز والمعنى، باعتبارها مصطلحات تدخل ضمن مفهوم التناص في صورته الحديثة، وفي ضوء ذلك الفهم أمعن في دراسة نصين أحدهما روائي والآخر شعري، وهما "رؤيا" لهاشم غرايبة، والآخر قصيدة "راية القلب" لإبراهيم نصر الله.
ولا تغيب عن قارئ دراسات الزعبي تلك، هيمنةُ البحث عن الرؤية أو المعنى أو النص الغائب في تلك النصوص، وبخاصة في بحثه عن التناص غير المباشر، الذي يُعنى "بتناص الأفكار أو المقروء الثقافي أو الذاكرة التاريخية التي تستحضر تناصاتها بروحها أو بمعناها لا بحرفيتها أو لغتها أو نسبتها إلى أصحابها، وتفهم من تلميحات النص وإيحاءاته وشفراته وترميزاته، ولهذا تستنبط استنباطاً وربما تخمن تخميناً"[8].
يراوح أحمد الزعبي في استخدام أدواته ومقاييسه النقدية بين ما كان تشرّبه من إفرازات التيارات والمناهج النقدية الغربية، والأدوات والمقاييس العربية التي تأسس عليها الفكر النقدي العربي لديه، وفق ما تمليه عليه طبيعة النص الإبداعي وخصوصيته التي تفرض على الناقد في آخر الأمر تطويع الأداة الأكثر ملاءمة لكشف جمالياتها واستنطاق مقولاته الكامنة خلف سطح اللغة وظاهر الخطاب، فنجده محكوماً بما يستنطقه النص ويتطلبه... وتلك حالة متميزة قوامها الصدق والجرأة والعقلية المتفتحة، خلافاً لتلك الممارسات التي تقوم أولاً على الجاهزية المسبقة للأدوات النقدية للعمل بصرف النظر عن طبيعة النص الإبداعي ونوعه الأدبي[9].  
لم يخضع الزعبي لإشراطات المناهج الغربية بشكل كلّي كما يفعل كثيرون ممن وقعوا في إغرائها وإغوائها، فعمدوا إلى إخضاع النص بشكل قسري لمقاييس قد لا تتلاءم وطبيعة ذلك النص وتكوينه الفلسفي والإيديولوجي والفني، بل نظر في النص الأدبي نظرة كلية متكاملة ترى فيه بنية تتكون من جملة من العناصر البنائية والمضمونية التي تمنحه قوام وجوده وسمته الإبداعية الخاصة، ومن ذلك ما نجده في معالجته لعنصر الإيقاع في العمل الأدبي القصصي والشعري على السواء، بوصفه أداة تميز عملاً عن آخر، إيماناً منه بأن " كل عنصر من عناصر الرواية يكسب معناه من خلال علاقته بالعناصر الأخرى، التي تؤثر بدورها في الشخوص، وتؤثر الشخوص والأحداث فيه أيضاً. وهذا يعني أن الزمان الروائي مثلاً ـ كعنصر ـ يكتسب معناه من خلال علاقته بالأشياء والعوالم المحيطة، من خلال فهم الشخصية الواحدة، لما حولها مختزلة الأزمنة والأمكنة والتغيرات الاجتماعية والحضارية، ومكثفة أبعاد هذا الوجود في لحظة زمنية محدودة، ولهذا يكون الزمان الروائي بشكل خاص، والإيقاع الروائي بشكل عام، مختلفاً ومتفرداً وخاصاً في رواية ما، عن غيرها من الروايات الأخرى!".[10]       
(4)
ينطلق الزعبي في قراءته للعمل الأدبي من رؤاه الخاصة التي ويسخّر لاستجلائها أدواته القرائية الخاصة، قبل اللجوء إلى الأدوات التي سخرتها المناهج والمدارس الغربية، وأعني بذلك أنه يسعى في كل قراءة إلى تحديد البؤرة التي تمنح العمل خصوصية، من حيث ارتكاز العمل على تلك البؤرة التي منها تنبثق جوانب العمل الأخرى، بل هو يذهب إلى أبعد من ذلك في جعل تلك البؤرة مركز الإشعاع الذي تنطلق وتتوزع منه خيوط النسيج الذي يشكل تلك البؤرة، ولتوضيح ذلك يمكن النظر في كيفية التقاطه لنقاط الارتكاز الفني التي ينهض عليها عمل ما، كالإيقاع مثلاً، ففي حين نجده يرى أن الإيقاع في روايةٍ "بلد المحبوب" لمحمد سيف القعيد، يشكل مرتكزا يمنح الزاوية خصوصيتها، فإنه يعمل على التمييز بين إيقاعات العناصر المختلفة فيها، فيجعل من إيقاع الزمان والمكان بؤرة تنطلق منها إيقاعات العمل الأخرى[11] ، مثلما أن إيقاع الحدث كان بؤرة انبثاق الإيقاعات الأخرى في ثلاثية نجيب محفوظ  .
ويستوقفني هنا هذا الانسجام والتلاقي اللافت بين رؤى الزعبي بوصفه ناقداً وبوصفه مبدعاً أيضاً، فلا يخفى على قارئ أعماله القصصية والروائية هذا الإيقاع الذي يشكل هاجساً في جلّ أعماله، إيقاع الحركة والحدث/ الزمن الذي يجعلنا نلهث خلف "البطيخة " المتدحرجة، أو الإيقاع النفسي يجعلنا نرتد إلى دواخلنا نجوس في طبقاتها العميقة بمتوالية إيقاعية تكشف المعنى الآخر لـ "العنّة" حين يمتد إيقاعها ليصير حالة عامة لدى مجتمع الرواية...
لا يدخل الزعبي إلى النص محملاً بأفكار مسبقة، سواء مما يتعلق بالنص نفسه وكاتبه، أو المناهج والأدوات الجاهزة، وإنما ينطلق من النص ذاته وينتهي إليه، بإيقاع تحليلي يبدأ باكتشاف بؤرة العمل ثم يبدأ بالتعالي تدريجياً ليمتد ويشمل بقية عناصر العمل، فهو يتعامل مع كل عمل روائي على أنه روح مستقلة، ودفق خاص يحاول فيه أن يستشهد على الزمان والمكان، ويبرهن على الأحداث بالشخوص، وهو ما ردَّه الأزرعي لمنهج شبنجلر في نظريته الفلسفية الشمولية للحضارة ومفرداتها في استشهاده بالموسيقى وهو يبحث في الرياضيات، ويدلل على صحة أقواله في الدين وهو يتحدث في النحت والتصوير، الأمر الذي يمكن معه للناقد المهتم بالإيقاع أن يقدم فهماً أوسع للرواية، للتعامل معها على أنها نتاج مرحلة ودفق حضارة، مما يخلق إمكانية تعميق مفهوم الإيقاع وتعميمه خارج النص الواحد ليمتد لحقبة أو عصر أو مكان، كتناول الإيقاع العام للرواية التي  في الأردن، أو الإيقاع العام لرواية نجيب محفوظ بعد الهزيمة أو الإيقاع العام للرواية الحديثة في بلاد الشام[12]
ولا يمكن، بالتالي، لقارئ الجهود النقدية للزعبي أن ينكر الجهد الكبير الذي قام به المؤلف المتمثل في قراءته المتأنية للنصوص واعتماد الكثير من المراجع التي أفاد منها في الجانبين النظري والتطبيقي، وما بذله من حرص واضح في تبسيط أسلوبه، سواء في استعمال المصطلحات، أو سلاسة الأمثلة والاقتباسات المستخدمة في التوضيح، مما جعل كتابه "في الإيقاع الروائي"، مثلاً، كتابا مشرق العبارة، متين الديباجة، خلافا لكثير مما يقرأ من نقد المجلات، والصحف الذي يكاد القارئ لا يقهم منه شيئا، أو يستوعب منه معنى[13].
وإلى ذلك يرى أحمد الزعبي أن الأسلوب هو السمة التي تميز نص عن آخر، على الرغم من تمايز الخطاب الأدبي بين نص و آخر، وعلى الرغم من وحدة الموضوع أو الحدث الذي ينبني عليه النص الشعري، وهو ما حاول أن يبينه في دراسته للأسلوب الذي امتاز به كل نص من النصوص التي قام بدراستها في كتابه "سلطة الأسلوب: دراسة في تشكيل هوية النص"، ويتضح من عنوان الكتاب منطلق الناقد في البحث في هوية النص، التي تحدد من خلال الأسلوب الذي يميز نصاً عن آخر على الرغم من تشابه الموضوعات والمضامين وزمن كتابة النص، كالذي نجده في دراسته لقصيدة محمود درويش "الرجل ذو الظل الأخضر 1970، وقصيدة نزار قباني "بكائية إلى جمال عبد الناصر 1970، وأحمد عبد المعطي حجازي "الرحلة ابتدأت" 1970.
(5)
تخلص هذه القراءة إلى أن الدكتور أحمد الزعبي ينطلق في دراساته للنصوص الأدبية بألوانها وأجناسها المختلفة من حقيقة أن النص الأدبي سابق على النقد، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون النص هو المحرّك وهو الفاعل في ما يقوله النقد، أو ما يتوصل إليه الناقد من تحليل النص وتفكيك جزئياته الناظمة للبنية الكليّة فيه، بل فوق ذلك يذهب إلى فاعلية النص في انتقاء الأداة المناسبة أو المنهج النقدي المناسب الذي يمكن إخضاع نص معين لمقاييسه، وهو ما عبّر عنه في أحد حواراته في تمييزه بين نص غربي يمكن قراءته من منظور عبثي قد لا يصلح في قراءة نص آخر عربي، بينما ثمّة تقنيات عامة تتعلّق ببنية النص عموماً باعتباره يتشكل من فسيفساء من نصوص أخرى اندغمت فيه وتماهت، ولذلك يمكن للتناص أن يكون أداة طيّعة يمكن من خلالها دراسة النص عربياً كان أم غربي.
وإلى ذلك، يمكن لقارئ المنجز النقدي للزعبي أن يقف على المرجعيات الثقافية المختلطة التي أسهمت في تشكيل رؤاه النقدية، وانعكست جليّاً في طرائق تحليل النص لديه، وتتمثل تلك المرجعيات في أساليب القص وبناء القصيدة، أو مكون النص الإبداعي في الغرب، وفي المناهج النقدية الغربية المختلفة التي كان له أن يتتلمذ عليها في مرحلتي الدراسة العليا في أمريكا، وقبل ذلك في دراسته للأدب العربي القديم منه والحديث، ومعايشته لأعلام الأدب العربي الحديث خلال مرحلة دراسته الأولى في مصر، الأمر الذي جعله يقيم شكلاً من التوازن بين الأثرين العربي والغربي، بدا واضحاً في عدم خضوعه لسيطرة أيّ منهما على منهجه الخاص في قراءة النص الأدبي، ذلك المنهج الذي يتعذر تصنيفه في إطار منهجي محدد، بل ظلّ هذا المنهج قائماً على رؤية خاصة تفيد من كل ما اطلع عليه، بينما ينحاز لجهة الرؤية والأداة التي يمليها عليه النص، ولعله لذلك كان غالباً ما يبدأ بالتقديم النظري المناسب الذي سترتكز عليه دراسته، والذي أوحى له به النص، فنياً أو مضمونياً، ثم يشرع في تحليله وكشف كوامنه وفق ما يجود به هذا النص وما تقوله النظرية النقدية الغربية، أو ما يستعيده المنظور النقدي العربي، وذلك ما يمكن تصنيفه ضمن ما يمكن تسميته بالنقد التحليلي أو النقد النصي.   



[1] ) الزعبي، أحمد، حوار سلامة شطناوي، الدستور، عمان 5/1/1995
[2] ) العرود، أحمد ياسين، مناهج النقد الأدبي في الأردن في النصف الثاني من القرن العشرين، وزارة الثقافة، عمان، 2004، 422
[3] ) الزعبي، أحمد، في الإيقاع الروائي، إربد- الأردن، دار الأمل، 1986 7
[4] ) المصدر السابق، 10
[5] ) الزعبي، أحمد، النص الغائب، إربد- الأردن، مكتبة الكتاني، 4
[6] ) المصدر السابق، 5
[7] ) الزعبي، أحمد، حوار سهى نعجة، ـ صحيفة "صحافة اليرموك"، إربد ـ الأردن، 27/1/ 1993
[8] ) التناص، مقدمة نظرية مع دراسة تطبيقية، إربد- الأردن، مكتبة الكتاني، 16
[9] ) الأزرعي، سليمان، الناقد أحمد الزعبي ومنهجه في الإيقاع الروائي، ملتقى عمان الثقافي الثالث، الأردن، 25/ 8/ 1998
[10] ) الأزرعي، سليمان، "حركة النقد الأدبي في الأردن" ـ نقّاد في الظل وجهود متميزة "الناقد أحمد الزعبي ومنهجه في الإيقاع الروائي"، ملتقى عمان الثقافي الثالث
22-25/8/1994م
[11] ) الزعبي، أحمد، التناص الأدبي والأسلوبي، حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية ـ جامعة قطر، ع20، قطر 1997.
[12] ) الأزرعي، سليمان، الناقد أحمد الزعبي ومنهجه في الإيقاع الروائي، ملتقى عمان الثقافي الثالث، الأردن، 25/ 8/ 1998
[13] ) خليل، إبراهيم، إيقاع البنية الروائية وتفكيك الخطاب الشعري في كتابين للدكتور أحمد الزعبي، الرأي، 27/ 11/ 1998