الثلاثاء، 12 فبراير 2013

الباب


... في عز الظهر... وعلى شاطيء البحر الرملي الواسع، ظهر الرجل فجأة يحمل لوحاً خشبياً، كأنه انبثق من باطن الأرض أو هبط من السماء دون أن يلاحظه احد. حط رحله في منتصف الشاطيء ونصب لوحه الخشبي فوق الرمال فبدا كأنه باب للدخول وللخروج. مثل أي باب في أي بيت. كنا جميعاً ننظر إلى الرجل باستغراب ودهشة، إذ توقفنا قليلاً عن اللعب بالكرة، مثلما توقف آخرون عن السباحة بينما ترك آخرون طعامهم وشرابهم وحديثهم واستجمامهم وشجارهم وراحوا يحدقون فيما يفعله الرجل.
في أول الأمر، اجتهدنا في تفسير ما يفعله الرجل – فمن قائل:
انه يريد أن يتقي حرّ الشمس. فيستظل بالباب الخشبي... أي عوضاً عن المظلة.
إلى قائل:
- أنه يهدف إلى لفت الانتباه.
إلى آخر ساخراً:
قد يبني غرفة أو بيتاً. وهو يبدأ بالباب، مثل قصة الحذوة والفرس.
ثم ضحك عالياً.
إلى آخر جاداً:
- كل الاحتمالات ممكنة، ولكن لم لا نسأله ماذا يفعل؟ فمن المؤكد أن وراءه شيئاً ما، هذا إذا لم يكن مجنوناً، وهو أمر بعيد الاحتمال.
في غمرة دهشتنا جميعاً، اتفقنا على أن نسأله عما يفعله ومعنى ما يفعله، وهل لذلك علاقة بمن هو على شاطيء البحر، إلى غير ذلك من أسئلة لا بد أن تخطر ببالنا أمام  هذا المشهد الغريب.
وحين اقتربنا من الرجل وسألناه قال:
أضع هذا الباب حتى يدخل ويخرج منه كل من يأتي إلى شاطيء البحر أو يغادره.
ازدادت دهشتنا أكثر فأكثر، وبدا الأمر مضحكاً حيناً وجنوناً حيناً آخر، إذ كيف يمكن لآلاف الناس الذين يملؤون هذه الشواطيء أن يمروا عبر هذا الباب الضيق لينتقلوا من الشاطيء إلى الشاطيء نفسه وفي وسعهم أن يتحركوا في كل اتجاه دون الحاجة إلى المرور من هذا الباب. ولما لم يستوعب اغلبنا ما قاله الرجل، قلت مستوضحاً:
- هل أنت جاد في هذا، ومن أصدر هذه التعليمات العظيمة.
وعندها أحس بنغمة ساخرة في صوتي، ولكنه قال:
- أنا أنفذ فقط.
أدركنا أن في الأمر شيئاً ابعد مما نرى، وأننا لن نعثر على إجابة دقيقة من الرجل الذي يبدو أنه وضع الباب ووقف إلى جانبه صامتاً. وتبادلنا الآراء فيما يمكن فعله، وكانت مواقفنا تركز على شيئين أو ثلاثة للتعامل مع هذه المسألة. الأول: أن نهدم الباب ونكسره وليفعل الرجل ما يفعله. والثاني: أن نحاول إقناع الرجل أن ما يفعله أمر مضحك لا يخلو من جنون وسخف. وكان هناك رأي ثالث لم يتحمس له كثيرون لكنه كان مطروحاً، وهو أن نخوض التجربة ونرى نتائجها، فندخل ونخرج من الباب ثم نقرر بعد ذلك ما ينبغي فعله.
اتفقنا جميعاً على أنه يجب أن نفعل شيئاً، ولكننا اختلفنا فيما يجب أن نفعله على وجه التحديد. ومرّ يوم ويوم آخر، ثم مرّ أسبوع وأسبوعان، والجدل بيننا على أشده، والباب قائم في مكانه والرجل واقف إلى جانبه، ولم نفعل شيئاً حقيقياً.
وبعد مرور شهر على هذه الحكاية، رأينا بعض الناس يدخلون من الباب في طريقهم إلى الشاطيء أو السباحة في البحر. كما رأينا بعضهم يخرج من الباب عند مغادرة البحر أو الشاطيء. وتزايد عدد الداخلين والخارجين يوماً بعد يوم وفي نهاية الأمر أصبح الناس جميعاً يقفون صفاً واحداً وهم قادمون إلى البحر إمام الباب ويدخلون منه بانتظام وهدوء ورضا ثم ينتشرون بعد ذلك فوق الرمال والمياه والأمواج. وعند العودة يصطفون ثانية إمام الباب ويغادرون هادئين منتظمين.
في هذا اليوم، وحين كنا جميعاً في صف واحد طويل مرصوص أمام الباب، جلس الرجل على كرسي إلى جانب بابه وراح يقطع تذكرة إلى كل من يدخل من الباب بثمن رخيص [رمزي] ثم قال بثقة: ابتداء من الغد، على كل شخص إحضار وثيقة شخصية... هوية... جواز سفر... أي شيء يثبت شخصيته قبل السماح له بالدخول أو الخروج. ولم يعترض احد.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ