الثلاثاء، 12 فبراير 2013

ابن سنمار


[.. وأما المثل (جزاء سنمار) فيضرب لمن يجازي الخير بالشر، وسنمار هذا كان مهندسا بارعا في العصر القديم حيث بنى لإمبراطور البلاد قصرا عظيما لا مثيل له، وقال سنمار للإمبراطور أن هنالك حجرا في إحدى زوايا القصر لو تحرك من مكانه لانهار القصر كله ولا يعلم سر هذا الحجر أحد. فأقدم الإمبراطور على قتل سنمار ليقتل معه سر الحجر، من ناحية ولكي لا يبني قصرا مثله لغيره، من ناحية أخرى]
ـ من حكايات سنمار ـ
 
وفي اليوم التالي من مقتل سنمار، شيعه القوم يتقدمهم الإمبراطور وحاشيته في جنازة كبيرة، حيث تم الدفن والعزاء وسط أجواء من الحيرة والدهشة تلف الحكاية كلها، وتفاجأ الإمبراطور والقوم جميعا عند عودتهم إلى القصر حين وجدوه منهاراً مهدما ولم يبق منه حجر على حجر، لم يصدق أحد ما يرى إذ كيف لهذا القصر الشامخ الأسطوري الجديد أن يتهاوى ويتساقط دفعة واحدة وفي غمضة عين، وذهل الإمبراطور ذهولا كبيرا وأخفى ندما قاتلا في أعماقه ثم استدعى حرس القصر واستفسر عن الأمر، ولكن الحراس كانوا أكثر ذعرا وذهولا من الإمبراطور وبقية الناس، فقد فوجئوا بانهيار القصر وهم يطوقونه من جميع الجهات، وأوضحوا لسيدهم أنه لم يقترب من القصر أحد ولم يحدث أي زلزال أو بركان أو صاعقة... لم يحدث شيء، فقد فوجئ الجميع الذين هم خارج القصر والذين بداخله بتصدع أركان القصر ثم سقوطه متفسخا متبعثرا كأنه لوح زجاج، ولم ينج إلا القليل ممن كان في داخل القصر، بعضهم من أسرة الإمبراطور وأقاربه وبعضهم الآخر من السائلين المحتاجين الذي يقتاتون كل يوم على ما يفيض من طعام أو شراب من ساكني القصر، ثم أضاف كبير الحرس قائلا: وقد نجا مع من نجا أيضا ابن سنمار الصغير الذي فر مذعورا حين كانت حجارة القصر تتناثر هنا وهناك أما كيف حدث ذلك ولماذا حدث فعلمه في الغيب.
وسأل الإمبراطور بحدة وغضب: وما الذي كان يفعله ابن سنمار في القصر؟ فقال كبير الحرس: أنه يأتي كل يوم منذ كان يرافق والده وهو يبني القصر فقد أصبح أحد أفراد الأسرة ولا أحد يسأله منذ زمن عن دخوله وخروجه من القصر، واحتار الإمبراطور في أمره وانتابه الشك في أمر ابن سنمار، أيعقل أن يكون سنمار قد أفشى سر الحجر إلى ابنه وكان قد أكد للإمبراطور على أن هذا السر لا يعلمه أحد غيرهما. ولكن الشكوك قد تفاقمت في نفسه وأصدر أوامره بإحضار ابن سنمار بالسرعة القصوى، فانفض مئات الحرس يبحثون عن الطفل الهارب دون أن يدركوا ما علاقة ذلك بانهيار القصر، وتفرق الحرس في كل اتجاه وطوقوا المدينة من جميع الجهات ولم يتركوا بيتا إلا فتشوه ولم يتركوا حجرا إلا قلبوه ولا شجرة أو غابة أو بحرا أو برا أو واديا أو جبلاً إلا نثروه بحثا عن الولد الذي اختفى ولم يجدوا له أثراً، وسار الإمبراطور حائرا فزعا بين أنقاض القصر يسأل في كل لحظة أن كانوا قد عثروا على ابن سنمار ويتحسر على قصره الشامخ الذي تفتت وتناثر في كل اتجاه ويأكل أصابعه ندما على قتل سنمار الذي لا يستطيع أحد غيره بناء مثل هذا القصر الأسطوري في الشرق والغرب، وبينما هو سائر بين الأنقاض تعثر الإمبراطور بحجر متكسر الأطراف كأن يدا هشمت جوانبه بمهارة وقصد، أطرق الإمبراطور قليلا وتأمل الحجر مليا ثم رأى بعض الكلمات المكتوبة عليه، فقرأها:
إلى الإمبراطور... وفي الليلة التي استدعيتَ فيها أبي لمقابلتك ناداني وهو يودعني ثم أخبرني عن سر الحجر وقال لي أن حدث مكروه فاكسر الحجر واهرب ولا تعد... وها أنا ذا أفعل ذلك.
ضرب الإمبراطور بكفه على جبهته بقوة وتوتر وانهيار وراح يكسر الحجر إلى شظايا صغيرة وهو يصرخ في كل من حوله: ألم تعثروا على الولد بعد... ألم تعثروا عليه.. وكلهم يرددون: كأن الأرض انشقت وابتلعته... كأن الأرض...
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ