الثلاثاء، 12 فبراير 2013

حوار: خليل قنديل

 
بعيدا عن حرف " الدال" هذا الحرف الذي يقف مثل شرطي أخرق بجانب الكثير من الأسماء الأكاديمية في وطننا العربي، كان اللقاء مع القاص والروائي والناقد الأردني "أحمد الزعبي".
رجل فك حصار "الدال" كما أشرنا يقبل عليك مبتسما هادئا، وديعا، ليتحول الجفاف الأكاديمي داخل إيقاع الحوار معه إلى عفوية متدفقة راصدة وإلى منهج له دربه الفعال باتجاه الحلم باتجاه العطاء المتطور الذي تتسع مساحته لكل أشكال التحضر الإنساني دون الوقوع في التعصب.
القاص والروائي والناقد " أحمد الزعبي" من مواليد الأردن عام 1949م حصل على بكالوريس في اللغة العربية – الجامعة الأردنية، ثم الماجستير من جامعة القاهرة 1977م، ثم الماجستير في الأدب الإنجليزي، جامعة متشجن، ثم الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة متشجن في أمريكا، وهو يعمل حاليا في جامعة اليرموك – الأردن.
حول القصة القصيرة وآفاقها أردنيا وعربيا، وحول قدرته على التوفيق الحقيقي ما بين الهم الأكاديمي والهم الإبداعي، إضافة إلى مسائل ثقافية أخرى كان لنا معه هذا اللقاء.
ـ لماذا القصة بالذات؟ وهل هناك قصيدة في اختيار القناة الإبداعية، أو هو التوجه العفوي؟
البداية بشكل عام تكون عفوية فلا أحد يستطيع أن يقرر أنه سيصبح شاعرا أو كاتبا أو موسيقيا، أما في المراحل التالية فيستطيع الفرد أن يتعرف على تجربته وعلى أرضه التي يتحرك فيها بشكل أفضل وينحاز لها، وهذا يعني أنني بدأت في أوائل السبعينيات بكتابة بعض القصص القصيرة، في مرحلة الجامعة الأردنية، وقد شجعني على المضي في هذا الاتجاه أستاذنا الدكتور- عبد الرحمن ياغي – وأستاذنا الدكتور – فواز طوقان، وفي القاهرة، أيام الدراسات العليا_ كانت لي تجربة جديدة من خلال الاقتراب من  أجواء ثقافية وأدبية واسعة سواء كان ذلك في جامعة القاهرة أو في الندوات واللقاءات الأدبية – مثل لقاء مقهى ريش مع – نجيب محفوظ، وكتاب آخرين، أو نادي القصة أو لقاء الأصدقاء أمثال، أمل دنقل، ويحيى الطاهر، وغالب هلسا، وآخرين، في هذه الفترة كانت الناقدة الكبيرة الدكتورة "سهير القلماوي".
عندما كتبت رسالة الماجستير عن القصة القصيرة ازددت تقربا والتصاقا بهذا الفن وشعرت أن كتاباتي في هذا الفن فستكون كتابتي على الأقل تستند على شيء من المعرفة والاطلاع. وكذلك كانت المسألة بالنسبة للرواية فقد كانت رسالة الدكتوراه عن " الموت في الرواية العربية"، الأمر الذي جعلني أطمئن إلى أن بعض الروايات التي كتبتها تستند إلى شيء من الاطلاع والنقد… كل هذه التساؤلات جعلتني أتأنى وأنتظر حتى تتضح بعض الأمور.
وكانت تجربة القاهرة وأمريكا ثم جامعة اليرموك، وتجربة استمرار الكتابة القصصية "أربع مجموعات قصصية وأربع روايات" كانت هذه التجربة دافعا لي لتقديم هذه الكتابات إلى الناس في عام 1985م مبتدئا بمجموعة "عود الكبريت" و " المقدمات إلى الحقد" و "البطيخة" فـ " البحث عن قطعة صابون " فـ" قبل الإعدام" و الأخيرتان مجموعة ورواية تحت الطبع.
ـ إلى أي حد استطاعت فترة تواجدك في أمريكا إخصابك إبداعيا؟
استفدت كثيرا من فترة الدراسة في أمريكا، وذلك من خلال قراءة الأدب الإنجليزي بلغته الأصلية. واستفدت كثيرا عندما كنت أحضر لدرجة الماجستير في الأدب الإنجليزي، فقد مكنني ذلك من التعرف على هذا الأدب عن قرب وكان في ذهني أن على الكاتب أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، فما فائدة أن تبدأ اليوم كما بدأ نجيب محفوظ مثلا أو محمود درويش وهذه نقطة ينبه إليها النقاد فإذا أراد الروائي مثلا أن يخوض غمار التجربة الروائية فعليه أن يبدأ من حيث انتهى الروائيون الآخرون عله يضيف شيئا جديدا وتكون تجربته أكثر معاصرة خشية أن يكون مجرد تكرار ممل. وحاولت أن أبدأ من حيث انتهى الآخرون حتى في بعض القصص القصيرة التي كتبت بالإنجليزية وقرئت على جمهور جامعي في أمريكا.. وهنا مازلت أحاول ذلك، لكن هذه التجربة ما تزال في بداياتها ولا أعرف إن كانت ستنجح أو تفشل فالأدب الجديد كما هو معروف له مؤيدوه وله معارضوه… وهذا متروك لما بعد.
ـ هناك اعتقاد وجدته عند الكثيرين ممن قرأوا لك، مفاده أن الشكل القصصي لا يتغير عند الدكتور "أحمد الزعبي" وأن المضمون يطرح بالطريقة ذاتها في كل قصة؟
الشكل الذي أعتمده في كتابة القصة القصيرة بشكل عام يقوم على ما يسمى بـ "الحدوته التخيلية" بمعنى أن الحديث يبدأ بشكل عادي مألوف سرعان ما يتسع ويتضخم ليتحول إلى أمر أسطوري. كما هو اضح في كثير من قصص "عود الكبريت" و "البطيخة" وإذا استطعت أن أقدم شكلا قصصيا أعرف به فهذا أمر عظيم ولكني لا أظنه سهلا، ومع ذلك فهناك حقيقة هامة، وهي أن المضمون أحيانا يفرض الشكل، والكاتب يستطيع أن يقولب قصته بالشكل الذي يريده في بعض الأحيان لا كلها ولذلك تجد أن بعض القصص شذت عن أسلوب "الحدوتة التخيلية" وجاء مضمونها ليفرض شكلا مختلفا كما ترى في قصة " في الباص" و "بركة السباحة" و "ألف ياء" من مجموعة "عود الكبريت" وكذلك الأمر في قصة "الذي أكل لحم كلب" و " الذي ربطناه" و " العصفور المجنون". في مجموعة البطيخة. أما في الرواية فالأمر يختلف إذ إن الشكل الروائي يتخذ من الذاكرة –ذاكرة البطل- محورا للأحداث بشكل كابوس من خلال تيار الوعي ومحاكمة الذات الصامتة الأمر الذي يجعل الاستيعاب بطيئا ومتابعة عالم الذاكرة، أو عالم اللاوعي، عسيرا، وأخيرا فإن مسألة المضمون الواحد في قصص مختلفة قد لا تكون دائما تقصيرا مع أني أزعم أن هذه القصص تنطوي على مضامين مختلفة متعددة. ومن يدقق النظر ير ذلك بوضوح من خلال مضامين.. الهم الوطني.. والهم العاطفي… والهم الوجودي.. وهموم كثيرة يعانيها إنسان اليوم في رحلته المضنية.
ـ إلى أي حد استطعت أن تحقق ذاتك إبداعيا من خلال القصة القصيرة؟ وهل هنالك حلم باتجاه عوالم القصة أكثر نضجا وأكثر فعلا لدى القصاص أحمد الزعبي؟
مرة أخرى أنا أعد هذه الأعمال الخمسة أو الستة التي نشرت مرحلة أولى ولا أتوقع منها " التحقق الذاتي أو الإبداعي" أما من حيث المستقبل فها أنا ذا أكتب كلما دعت الحاجة داخليا إلى الكتابة وكغيري أتمنى أن أستمر في الكتابة وأن أقدم شيئا أكثر نضجا وأقل تعثرا وأعمق تجربة. كما أني لا أعرف شكل المرحلة القادمة من حيث قيمة الأدب بشكل عام، فهو في تراجع وتقهقر منذ فترة، الأمر الذي جعل مرتبته من حيث الاهتمام به في آواخر القائمة وهذا أمر خطير في مجتمعنا والمجتمع البشري فإذا استمرت مكانة الأدب في التراجع تندثر أحلام كثيرة لدى الأدباء ثم تغيب الفواصل ما بين أدب غث وأدب سمين ما دام كلاهما في أخر الصف... أتمنى أن لا يكون هذا هو حال الأدب والثقافة والفكر في المستقبل لدى هذه الأمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ صحيفة الوحدة، الإمارات العربية المتحدة، 16 يناير 1988.
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ