الثلاثاء، 12 فبراير 2013

ندم "جبلة"


ارتد جبلة عن الإسلام بعد أن حكم للأعرابي أن يصفعه في مقابل صفعة جبلة السابقة له. جمع جبلة قومه سراً وتسللوا إلى ديارهم. جلس الاعرابي يتألم ويتأمل في الخسارة الفادحة التي سببها عناده وإصراره على لطم الرجل الذي لطمه. فلو تنازل عن حقه.. لو تسامح فيه لما خسر الإسلام هذه الجماعة التي أعلنت إسلامها. شعر الاعرابي بحيرة واضطراب ثم بمرارة.. انتفض من مكانه.. ضرب الأرض بقدميه بشدة.. بصق فوق بصقته الأولى.. ثم عاد إلى هدوئه شيئاً فشيئاً.. وصدرت عنه ابتسامة انتصار ثم قال: هذا والله أمر غريب.
جاءته القبائل من كل اتجاه تلومه وتعنفه وتدينه وتحمله مسؤولية رحيل جبلة وارتداده عن الإسلام. لاموه بالعربية والإغريقية والعبرية، وشتموه بلغات أخرى كثيرة. عاود الأعرابي الصمت والإطراق والاكتئاب، ثم استنتج أخيراً أنه كان مخطئاً. قالت القبائل: كان علينا أن نعامل جبلة حسب مفاهيمه ومكانته، ضحك الأعرابي وفجأة كتم ضحكته، وأضافت القبائل: ماذا يحدث لو كنت أكثر حلما.. أكثر صبرا.. أكثر تحضراً.. ضحك الأعرابي ثم أخفى ضحكته مرة أخرى.
قال الأعرابي أنه ندم على ما فعل وأضاف: إنني ببساطة شعرت بأن علي أن أصفع من صفعني.. وقد غاب عن ذهني في تلك اللحظة الربح أو الخسارة أو الدين أو التحضر.. نسيت كل شيء باستثناء العين بالعين والباديء أظلم، وكان والدي يقول أضرب من يضربك، حتى ابني الأصغر، أضاف الأعرابي على سبيل المداعبه، يركل من يركله وإن كان والده. على أية حال ما حدث كان في لحظة غضب فطري وقد أدركت الآن أني كنت افتقر إلى الحكمة وبعد النظر.. كان مخطئاً. سكت قليلا ثم صرخ كثيراً ثم سكت. قال سأصلح جبلة إلى دياره واعتذر له ولقومه. ذهل الحاضرون ثم رحبوا بالفكرة، ثم تداخلت أصواتهم:
-  هذا والله خير ما تفعل.
-  عين الحكمة.
-  سيعود جبلة وقومه.
-  لكن الصحابي قال: أن الأعرابي كان على صواب!!
-  بالاعتذار تصلح ما أفسدت.
-  لا حول ولا قوة.
-  تفاءلنا به خيراً وبابنه أيضاً... وحتى بأبيه.
-  امض إلى جبلة ولا تتردد.
-  سنكسب سندا للإسلام.
-  مثل جبلة مرض خبيث.. سوسة تمخر بجسد أي دين، لو عاش بين المسلمين ألف سنة لما أصبح مسلما.
-  نعم، تقتضي الحكمة أن تذهب إليه معتذرا...
قال الأعرابي:
-  توافقون على ذلك؟
بصوت مرتفع يعلو ضجيج:
-  نعم.
-  وأكون حكيماً متحضراً؟
-  نعم.
قال الأعرابي: خيراً، سأذهب، المعذرة مرة أخرى فأنا لم أخرج من خيمتي طيلة حياتي. ومضى في طريقه إلى جبلة وقومه، يطوف السهول والأودية والجبال يسأل عن ديار جبلة حتى اهتدى إليه بعد طول معاناة وتعب. أقبل الأعرابي على قوم جبلة وأخبرهم برغبته في مقابلة سيدهم ليعتذر له. أبلغ جبلة بالأمر فرحب بالأعرابي مختالا فرحا وطلب منه أن يعلن أسفه واعتذاره وتطاوله وندمه أمام القوم جميعا. تقدم الأعرابي من جبلة بهدوء وضعف وقال: الآن أعلن اعتذاري وندمي لأني لم أصفعك في اللحظة التي صفعتني بها، واستل خنجرا مسننا لامعاً وطعن جبلة في القلب والصدر والظهر فأرداه قتيلا وهو يصرخ: لطمه بلطمة في حينها، ولطمه بخنجر فيما بعد.. لطمة بخنجر فيما بعد، فيما راحت في تلك اللحظة سيوف القوم وخناجرهم تمزق جسد الأعرابي بحقد وجنون.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ