الثلاثاء، 12 فبراير 2013

حوار: غسان عبد الخالق

 
الدكتور أحمد الزعبي، قاص وروائي وناقد، من مواليد الرمثا سنة 1949، أنهى دراسته الجامعية الأولى وحصل على الماجستير من جامعة القاهرة سنة 1977 وكانت أطروحته بعنوان "التيارات المعاصرة في القصة القصيرة في مصر"، ثم حصل على الماجستير في الأدب الانجليزي من جامعة ميتشجان، وكانت أطروحته عن يقظة فينيجان لجيمس جويس، ثم حصل على الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من نفس الجامعة وكانت اطروحة الدكتوراه بعنوان " الموت في الرواية العربية المعاصرة". يشغل الآن منصب أستاذ الأدب الحديث المشارك في جامعة اليرموك، وقد صدر له على التوالي: (عود الكبريت، مجموعة قصصية، 1985)، (دراسات نقدية، 1985) مقدمة في الإيقاع الروائي، دراسة 1986)، (مقدمات للحقد، 1987)، (البحث عن قطعة صابون، 1987)، (البطيخة، 1987). له تحت الطبع روايتان: الأولى بعنوان (وجوه قلقة) والثانية بعنوان (قبل الإعدام) وهي مرشحة لجائزة مجلة الأزمنة/ باريس. خلافا لما هو سائد فيما يتعلق بالمقابلات الأدبية، حيث تكرس معظمها للحديث عن تجربة الملتقي به، فقد فضل الدكتور أحمد الزعبي أن تكون المقابلة بعيدا عن الأسئلة المألوفة التي تركز على التجربة الذاتية.. إلخ، وقريبة من الهم العام للمثقف العربي.. فكانت هذه المقابلة.
ـ فيما يتعلق بالتمخض الذي تمر به الرواية العربية، بتظاهراته المطروحة شكلا ومضمونا، في المغرب العربي، في مصر، لبنان والأردن، ما هو تصورك لهذا التمخض، لدوافعه، وهل أفرز أعمالا متميزة؟
الرواية العربية بخير، على الرغم من المآخذ الكثيرة التي يأخذها النقاد عليها، أما فيما يتعلق بكثرة الروايات الرديئة فهذا أمر لا يخيف لأنه طبيعي في كل الأجناس الأدبية، وفي كل العصور، في كل عصر كان هناك آلاف الكتاب، لا نذكر منهم اليوم سوى عدد قليل، اليوم مثلا هناك المئات من الشعراء في العالم العربي، وكذلك الروائيين، بعد خمسين أو مئة سنة، لن يتذكر الناس إلا فئة قليلة من هؤلاء، هذا يعني أن الأعمال الأصبلة – وهي موجودة – ستبقى، والأعمال الروئية ستندثر، مما يعني وجوب انحياز الكاتب إلى الفئة التي تحتضن أعمالها فترة أطول، وتتأنى قبل الإقدام على النشر، كثيرا ما نلوم بعض الكتاب الكبار الذين بعد أن حققوا مستوى رفيعا في الكتابة، راحوا (يكرمون) في إنتاجهم كمًّا، ويغرقون السوق بأعمال إنشائية مطولة تسيء إليهم، الإبداع ليس بالمجلدات الروائية ولا بالتفريخ الروائي الهائل، وإنما بتقديم الأعمال التي تبدأ من حيث انتهى الآخرون، مع مراعاة عمق الرؤية وحساسية المعاصرة واختراق الواقع المألوف.
الأصوات المتميزة في الرواية العربية موجودة، على الرغم من بعض التسرع لدى البعض أو الاختلاط في الرؤية، أتمنى أن يتعامل الكتاب مع رواياتهم بشيء من الاحترام وشيء آخر من الحقد، فالرواية ليست مناسبة، وليست صورا فوتوغرافية، وليست دفاعا عن رأي.. إلخ، أنها ببساطة رؤية للإنسان وظروفه ومعطياته النفسية والفكرية والحضارية في زمن معين وبيئة معينة، تقدم بأسلوب معاصر يتناسب وتطور هذا الفن، فتدفعه إلى الأمام ولا تشده إلى الوراء.
إلى أي مدى تتقاطع حركة القص/ الرواية العربية الحديثة، مع حركة الفكر العربي المعاصر، وهذان بدورهما مع مسلسل التشظي في الواقع السياسي العربي؟
الشائع ألا يكون هناك اتفاق ما بين الأدب والواقع السياسي، وهذا اللاتفاق يزداد أو ينقص بحسب الأزمات السياسية التي تمر بها المجتمعات، لا نعرف على وجه التحديد عصرا سياسيا حظى بتأييد الكتاب والفنانين على وجه الإطلاق، وهذا ربما يعني أن الأدب يبحث دائما – من جملة ما يبحث – عن المطلق، بمعنى أنه يريد حرية مطلقة، وصدقا مطلقا وأمنا مطلقا… وهكذا، وحتى لو جاء نظام سياسي يحقق جزءا من هذه الحرية وهذا الأمن، فإن الكاتب يأمل دائما في تحقيق كل الحرية.. كل الأمن.. الخ، القصد من هذا أن الواقع السياسي له مساربه وأهدافه، والواقع الأدبي له مساربه الأخرى وأهدافه المختلفة، ويبدو أن هذه المسارب قلما تلتقي في العصور المختلفة وفي الأماكن المختلفة.
أما في عالمنا العربي – تلك هي المسألة – فالواقع السياسي يفرض مسارب وغايات لا تتوافق ورؤى الكتاب وأهدافهم، ولهذا نرى ظاهرة الخلاف ما بين الفنان وواقعه السياسي، وما تسميه مسلسل التشظي في الواقع السياسي يفرض تشظيا أدبيا كما تلاحظ، وهذا أمر طبيعي، إننا نتفق في الهدف البعيد ولكننا نختلف في كيفية تحقيقه، إننا نتفق علنا على حماية الإنسان وفكره ومنجزاته، ونقتل هذا الإنسان وننخر فكره وندمر منجزاته في قرارات سرية وهكذا الفنان وإن كان يحلم بعالم مستقر وبإنسان آمن، إلا أنه من جهة، يسهم في تدمير هذا الحلم، ولكنه يحاول ما يستطيعه لتحقيق هذا الحلم من جهة أخرى.
ـ في إطار حركة الوعي الوطني والقومي، برز تياران في الرواية، تيار الواقعية بداية، وهو الذي هيمن إلى حد بعيد على السائد روائيا، وتيار الرواية الجديدة فيما بعد، إلى أي مدى يتقاطع التيار الأخير مع التيار الواقعي، وهل استطاع فعلا أن يتجاوز عن خطيئة الفن المباشر؟
كل آداب الدنيا، بشكل أو بآخر، هي آداب واقعية، وإن ارتدت مختلف الأثواب والتيارات والاتجاهات، فكاتب اللامعقول لا يتحدث عن واقع آخر غير واقعنا، وكذلك الأمر عند كتاب العبث والتجريد وغيرهم، فهم في أي شكل يخترعونه وبأي "جنون" يبتدعونه، فإنهم يتحدثون عن الواقع الإنساني، ولهذا نرى أن الرواية الجديدة أو القديمة، المدارس الغربية أو المألوفة، كلها تنبع من الواقع وتصب فيه مهما اختلفت في هذه الدراسات، الإشكالية أن هناك خطين يتطوران في آن واحد، خط تطور الفنون من جهة، وخط تطور العقلية البشرية من جهة أخرى، الأدب يواكب الخطين بالضرورة فهو لا يستطيع أن يتراجع أمام التطور الطبيعي لحركة الفن وعليه أن يواكبه في تطوره الحتمي، ولا يستطيع أيضا أن يهمل التطور العقلي أو الحضاري للإنسان المعاصر، ولهذا فإن رواية اليوم بأساليبها المختلفة لا يمكن أن تعود إلى العصر الكلاسيكي أو الرومانسي.. لأن الفنون تطورت وعلى الرواية أن تواكب هذا التطور وتساهم في ارتياد الآفاق الجديدة والرؤى الجديدة لتضمن البقاء والاستمرار. كما أن الرواية لا تسطيع أن تتجاهل عقلية العصر.
ـ العالم العربي، وأميركا اللاتينية، بينهما قرابة تاريخية من جهة مأساة الاستعمار الذي رزح تحته الاثنان، مع ذلك أفرزت أميركا اللاتينية أسماء لامعة، وفرضت إيقاعها الشعري والروائي على العالم، في الوقت الذي لا زال فيه الكثيرون من الكتاب العرب يتعللون محاربة إنتاجهم من الغرب، لدى الحديث عن عجز الرواية العربية عن الوصول إلى مرحلة العالمية.. ما رأيك؟
مسألة العالمية في الأدب طال حولها الجدل إلى حد الاستهلاك، أريد فقط التذكير ببعدين من أبعاد هذه المسألة، الأولى أن القوة السياسية والقوة الحضارية تفرض قوة أدبية في المقام الأول، بمعنى أن حضارة الإغريق والحضارة العربية، وقوة انجلترا وسيادة أميركا وروسيا.. في أزمان مختلفة قد فرضت عالمية الأدب والفن، وأنت تعرف أن أدب العرب قد كان عالميا عندما كان العرب أمة قوية وهذا لا يحتاج إلى طول شرح،وكذلك الأدب الإغريقي.. إلخ، وهذا البعد معروف تاريخيا واجتماعيا ونفسيا كما يرى ابن خلدون، من حيث تقليد الضعيف للقوي وانجراره وراء معطياته الثقافية والحضارية، فهو نفسيا يعتقد أن هذا التفوق للأمة الغالبة قد جاء لتفوقها في أمور كثيرة منها الأدب والفن، فيحدث التقليد والاحترام والانبهار، أما البعد الثاني في مسألة العالمية فهو بعد المؤسسات ودور النشر والترجمات والإعلام ودور الثقافة والجامعات وغيرها التي ترفع أدبا وتخسف آخر، اقرأ "استشراق" إدوارد سعيد ليطلعك على أبعاد كثيرة خافية عن الناس حول هذه المسألة ودور المؤسسات المختلفة في فرض وجهات نظر وإشاعتها بغض النظر عن حقيقتها أو مطابقتها للواقع التاريخي أو الحضاري، فمعرفة الغرب ببعض الكتاب العرب ناتج عن المؤسسات ومعاهد الدراسات الشرقية التي تدرس هذا الأدب وتتعامل معه، إذ من غير المعقول أن تدرس في معاهد الدراسات الشرقية في الغرب الأعمال الأدبية الغربية، بل تدرس الآداب العربية، ولكنها تظل في الدرجة الثانية أو الثالثة قياسا إلى آدابهم، وما دمنا نذهب هناك لدراسة آدابنا، فإننا نعترف ضمنيا بأنهم الأقوى والأجدر والأوعى في معرفة أدبنا وهذا غير صحيح في واقع الأمر، لكن هذا هو الذي يحدث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ صحيفة الدستور، عمان، 2 سبتمبر 1988.
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ